تشهد الصين أكبر هروب لرؤوس الأموال منذ سنوات، مما أثار قلق السلطات من تفاقم الضغوط على عملة اليوان، وفقا لتقرير نشرته وكالة “بلومبيرغ”.
وتعرضت العملة المحلية في ثاني أكبرى اقتصاد بالعالم لضربة قوية من جميع الجبهات، وذلك مع خروج الأموال من أسواقها المالية، وبحث الشركات الدولية عن بدائل للصين، في حين أدى انتعاش السفر إلى الخارج، إلى ضرب تجارة الخدمات.
وتم تسجيل ذلك التدهور في أحدث البيانات الرسمية، التي تظهر تدفقًا خارجيًا قدره 49 مليار دولار في حساب رأس المال الشهر الماضي، وهو الأكبر منذ ديسمبر من عام 2015.
وساعدت الهجرة الجماعية لرؤوس الأموال، الناجمة عن النمو المتعثر في الصين واتساع فجوة أسعار الفائدة مع الولايات المتحدة، في دفع اليوان إلى أدنى مستوى له منذ 16 عاما.
ويكمن الخطر في أن ضعف العملة يزيد من إضعاف جاذبية السوق، ويؤدي إلى تسارع التدفقات الخارجة، التي يمكن أن تزعزع استقرار الأسواق المالية.
كان هذا هو الحال في أعقاب صدمة انخفاض قيمة العملة عام 2015، أثناء الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، حيث احتاجت بكين وقتها إلى تشديد القيود على رأس المال، وتعزيز تكلفة تمويل اليوان في هونغ كونغ.
وفي حين اتخذت السلطات أيضًا خطوات مختلفة لوقف ضعف العملة هذه المرة، فيبدو أنه من الصعب عكس اتجاه التدفق إلى الخارج.
وقال كبير الاقتصاديين في شركة “Natixis SA، غاري نغ: “بسبب الاختلاف في السياسات النقدية والبيئة الاقتصادية الحالية، فمن غير المرجح أن تكون الصين قد وصلت إلى نقطة التحول مع ما يكفي من الحوافز، لجذب رأس المال مرة أخرى”.
ومن بين التدفقات الخارجة من الحساب الرأسمالي والمالي البالغة 49 مليار دولار الشهر الماضي، جاءت 29 مليار دولار من استثمارات الأوراق المالية، وفقًا لبيانات من إدارة الدولة للنقد الأجنبي.
وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي تواجه فيه بكين خطر فقدان هدف النمو الاقتصادي الذي يبلغ حوالي 5 بالمئة لهذا العام، وسط أزمة سوق العقارات المتعثر وتراجع الصادرات.
وانخفضت ملكية المستثمرين الأجانب للسندات السيادية الصينية، إلى أدنى مستوى لها منذ 4 سنوات في أغسطس، حيث تخلصوا من أسهم في البر الرئيسي بقيمة 12 مليار دولار في الشهر.
وانخفض الاستثمار المباشر إلى عجز قدره 16.8 مليار دولار في أغسطس، وهو الأسوأ منذ أوائل عام 2016.
وكان الرصيد سلبيا منذ منتصف سنة 2022، حيث أدت قيود وباء كوفيد-19 في البلاد، والحملة على القطاع الخاص، إلى إبعاد المستثمرين.
وتعاني الصين من عجز دائم في تجارة الخدمات منذ أن تجاوز عدد مواطني البر الرئيسي الذين يسافرون إلى الخارج عدد الزوار إلى البلاد.
وتفاقم هذا الاتجاه، لأن السياح الأجانب لم يعودوا بعد بأعداد كبيرة، حتى مع تخلص البلاد بالكامل من قيود فيروس كورونا، إذ تفاقم العجز الشهر الماضي، وسط قفزة في السياحة الخارجية خلال موسم العطلات الصيفية.
وانخفضت العملة الصينية بأكثر من 5 في المئة هذا العام في الداخل والخارج، مما يمثل أسوأ أداء في أسواق آسيا الناشئة بعد هبوط عملة الرينغت الماليزية.
ومع ذلك، فإن تدفقات رأس المال إلى الخارج قد تتباطأ إلى حد ما، إذ يظهر الاقتصاد الصيني بعض علامات الاستقرار، على الرغم من أن الكثير يعتمد على مسار أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والصين، حسبما ما أفاد إدموند غواه، مدير الاستثمار في الدخل الثابت الآسيوي بشركة “abrdn Plc”.
وأوضح غواه: “الكثير من الأموال التي كانت تؤثر سلبا على نمو الصين واليوان غادرت الصين في الأشهر الـ 12 الماضية، ويجب أن نبدأ في رؤية بعض الاستقرار في تدفقات رأس المال إلى الخارج”.