يحذّر محللون من عصر جديد من التقلبات في أسعار الغذاء العالمي، بفعل تضافر مخاطر عدة في الوقت نفسه.
وقال دينيس فوزنيسينسكي، محلل السلع الأساسية في «رابنوبانك» في سدني الأسترالية، «إن هذا هو الوضع الطبيعي الجديد حالياً، مع مزيد من التقلبات وعدم القدرة على التنبؤ سواء فيما يتعلق بأسعار السلع الأساسية أو المواد الغذائية».
ويرى ماكسيمو توريرو، كبير الاقتصاديين في «الفاو»، أن تراكم الصدمات الأخيرة في السنوات القليلة الماضية دفع البلدان إلى وضع سيئ للغاية، مشيراً إلى أنه لا يعلم كيف ستتعامل الدول مع أي صدمة أخرى.
ويحذر خبراء الأرصاد من أن الأرض يمكن أن تدخل فترة من درجات الحرارة المرتفعة بشكل استثنائي تستمر لسنوات، بفعل الاحتباس الحراري وعودة ظاهرة النينيو.
وأفاد جوزيف جلاوبر، الباحث في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، بأن عدم اليقين بشأن تغير المناخ قد يؤدي إلى مزيد من التقلبات في المستقبل.
وأشار جلاوبر إلى أن حالات الجفاف المستمرة قد تتسبب في نقص على الصعيد الإقليمي، ومشاكل تتعلق بالأمن الغذائي، مع عدم قدرة الدول الفقيرة على تحمل ارتفاع الأسعار.
من جانبه، يرى هيرال باتيل، رئيس قسم الأبحاث المستدامة في «باركليز» في لندن، أن هناك مجموعة من الصدمات الخارجية الجديدة، مما يجعل من الصعب للغاية التنبؤ بمدى تقلب أسعار الغذاء في المستقبل.
زيادة المخاوف
شهدت أسعار الغذاء العالمية حالة من الصعود الملحوظ خلال الأسابيع الماضية، مع زيادة المخاوف بشأن الإمدادات. وأثارت تداعيات الطقس السيئن والقيود على الصادرات، وعودة التوترات في البحر الأسود، القلق بشأن استمرار ارتفاع أسعار الغذاء بوتيرة تهدد الأمن الغذائي العالمي.
وكشفت بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أن مؤشر أسعار الغذاء العالمي ارتفع في يوليو الماضي من أدنى مستوى في عامين.
وصعد مؤشر «الفاو» إلى 123.9 نقطة في يوليو الماضي، بزيادة %1.3 عن شهر يونيو، لكنه لا يزال أقل بنحو %11.8 مقارنة بالشهر نفسه من عام 2022.
وقفز مؤشر أسعار الزيوت النباتية بنسبة %12.1 في يوليو على أساس شهري، ليسجل أول زيادة بعد سبعة أشهر متتالية من التراجع.
منظمة «الفاو» بررت الارتفاع الحاد لأسعار الزيوت النباتية بتجدد حالة عدم اليقين المحيطة بالإمدادات القابلة للتصدير من منطقة البحر الأسود، بعد قرار روسيا إنهاء اتفاق يسمح بالتصدير الآمن للحبوب.
كما ساهم القلق بشأن صادرات أوكرانيا في ارتفاع أسعار القمح بنسبة %1.6 في يوليو الماضي، في أول صعود على أساس شهري في تسعة أشهر.
وأظهرت بيانات «الفاو» ارتفاع مؤشر أسعار الأرز %2.8 في يوليو مقارنة بالشهر السابق له، ليسجل أعلى مستوى في نحو 12 عاماً.
وارتفعت أسعار الأرز %20 تقريباً منذ إعلان الهند حظر صادراتها من الأرز الأبيض غير البسمتي في الشهر الماضي، وجاء ارتفاع أسعار الأرز مع قرارات تقييد الصادرات من جانب بعض الدول، في إطار محاولات لتهدئة الأسعار المحلية في تلك الدول.
الحرب والقيود التجارية
بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، والتي بدأت في فبراير 2022، ارتفعت أسعار الغذاء العالمية لمستويات قياسية، مع المخاوف بشأن إمدادات البلدين من السلع الزراعية، مثل القمح والشعر وزيت عباد الشمس وغيرها.
لكن أسعار الغذاء شهدت تراجعاً مستمراً طوال عام مضى، مع توصل روسيا وأوكرانيا إلى اتفاق يسمح بالتصدير الآمن للسلع الزراعية عبر البحر الأسود، وتجديد المبادرة مرات عدة.
وعادت أسعار الغذاء للارتفاع عالمياً بعد قرار موسكو بالانسحاب من اتفاق تصدير الحبوب في يوليو الماضي، قبل أن تتعرض الموانئ الأوكرانية لهجمات عسكرية روسية.
يقدر كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، بيير أوليفييه غورينشاس، أن نهاية اتفاق تصدير الحبوب قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار الحبوب بنسبة تتراوح بين %10 و%15.
ويرى الاقتصادي الحائز جائزة نوبل، بول كروغمان، أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية مؤخرا يعد مدفوعا بشكل كبير بالغزو الروسي لأوكرانيا، وقال إنه تسبب في تعطيل الإنتاج الزراعي في الدولتين، مما أثر على الإمدادات المتاحة وأدى إلى زيادة الأسعار.
على جانب آخر، دفعت التقلبات في أسعار الغذاء حكومات بعض الدول إلى تقييد الصادرات، في مساعٍ لدعم المعروض محلياً للسيطرة على التكاليف.
وقررت الهند – تمثل نحو %40 من صادرات الأرز- حظر بعض صادراتها من السلعة الزراعية، بعد ارتفاع الأسعار محلياً بفعل الطقس السيئ.
قرار الهند في الشهر الماضي جاء بعد أن فشل إعلانها في العام الماضي فرض تعريفة بنسبة %20 في وقف زيادة صادرات الأرز الأبيض.
لم تكن الهند وحيدة في قرار فرض قيود على صادرات الغذاء، حيث قفز عدد القيود أو الزيادات الضريبية على الصادرات الغذائية بنسبة %62 منذ العام الماضي، بحسب «غلوبال تريد أليرت» غير الربحية.
عالمياً، هناك 176 من القيود المفروضة السارية على الصادرات الخاصة بالأغذية أو الأعلاف أو الأسمدة.
تداعيات الطقس السيئ
يضاف إلى تداعيات الحرب الروسية ــ الأوكرانية والقيود التجارية، أزمات الطقس السيئ في عدة مناطق حول العالم، والتي تسببت في اضطرابات في إمدادات الغذاء، إذ شهدت الصين ومناطق في أوروبا وأميركا الشمالية موجات حر قياسية، مع تسجيل شهر يوليو أعلى درجات حرارة على الإطلاق.
وتسبب الجفاف في دول مثل الهند وإندونيسيا ومناطق آسيوية أخرى في تراجع المحاصيل الزراعية، حيث قال تجار ومحللون إن الفيضانات ألحقت أضراراً بمحاصيل الذرة والأرز في شمال الصين.
وذكرت مصادر في قطاع التجارة الصينية أن التقديرات الأولية تشير إلى تضرر ما يتراوح بين 4 إلى 5 ملايين طن متري من الذرة أو ما يعادل %2 من الإنتاج المحلي جراء الفيضانات.
وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني ذكرت أن هطول الأمطار الغزيرة في المناطق المنتجة للحبوب في الصين، قد يشكل ضغطاً على الأسعار العالمية للأرز.
أشارت الوكالة إلى أن تأثير الأمطار في مناطق الشمال الشرقي للصين على محصول الذرة قد يكون محدوداً، بالنظر إلى المعروض العالمي القوي.
وأشار المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن أزمات المناخ تجعل الطقس المتطرف، والذي يشمل موجات الحر والجفاف والعواصف والفيضانات أكثر شيوعاً.
المنتدى الاقتصادي العالمي أوضح أن الظروف المناخية تسببت في ارتفاع أسعار الغذاء، مع تأثيرها على بعض المحاصيل بشكل أكثر من غيرها، ما يشمل الصويا والأرز وزيت الزيتون.
عدلت المفوضة الأوروبية توقعاتها للمحاصيل الزراعية في القارة العجوز بسبب الظروف المناخية الأكثر جفافاً من المعتاد في أجزاء كبيرة من القارة. (المنتدى الاقتصادي العالم، نيويورك تايمز، أرقام)